مقال حر ___ سعيد بنيس
الجمعة 26 يوليوز 2024
رياضة المشي الجبلي ، التي نعرفها اليوم كواحدة من أمتع وأشهر الرياضات الخارجية ، لم تكن دائما كما هي الآن . إنها تحمل تاريخا طويلا وثقافة غنية ، تعود جذورها إلى العصور القديمة ، وتطورت عبر الزمن لتصبح ما نعرفه اليوم .
في العصور القديمة ، لم يكن المشي الجبلي يعتبر رياضة بل كان وسيلة للبقاء والتنقل . كان الناس يسيرون عبر الجبال بحثا عن الموارد ، وللتجارة أو حتى للهرب من الأعداء . في هذه الأوقات ، كانت الجبال تعتبر أماكن مخيفة وغير مضيافة ، مليئة بالأخطار الطبيعية والحيوانات البرية .
مع مرور الزمن ، بدأت النظرة إلى الجبال تتغير ، خاصة في القرون الوسطى والعصر الحديث المبكر . في القرون الوسطى ، كانت الجبال تعتبر موطنا للأرواح الشريرة والأساطير . لكن مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ، بدأ الناس يكتشفون الجمال الطبيعي للجبال . وكانت هذه الفترة تعرف بالعصر الرومانسي ، حيث بدأ الشعراء والفنانون يستلهمون من جمال الطبيعة والجبال في أعمالهم .
في القرن التاسع عشر ، بدأت فكرة المشي الجبلي كرياضة تترسخ في أوروبا . قاد هذا التحول مجموعة من الرواد والمستكشفين الذين لم يكتفوا بمشاهدة الجبال من بعيد ، بل أرادوا استكشافها بأنفسهم . من بين هؤلاء الرواد ، كان هناك الشاعر الإنجليزي وليام ووردزوورث ، الذي كان يعتبر الجبال مصدر إلهام لأعماله .
في منتصف القرن التاسع عشر ، بدأت الرحلات الاستكشافية المنظمة إلى الجبال . أسس البريطانيون أول نادي جبلي في عام 1857 ، وهو نادي جبال الألب (Alpine Club) في لندن ، والذي كان يهدف إلى تنظيم رحلات استكشافية إلى جبال الألب . تبع ذلك تأسيس نواد مماثلة في سويسرا وفرنسا وألمانيا . هذه النوادي كانت تجمع محبي المشي الجبلي وتوفر لهم الدعم والمعلومات اللازمة لتنظيم رحلاتهم
مع ازدياد شعبية المشي الجبلي ، بدأت الأدوات والمعدات المستخدمة تتطور . في البداية ، كانت المعدات بسيطة وغير مخصصة لهذا النوع من الرياضة. لكن مع مرور الوقت ، تم تطوير أحذية خاصة للمشي الجبلي ، بالإضافة إلى الحقائب والمعدات الأخرى التي تسهل وتسهم في سلامة الرحلات الجبلية .
في القرن العشرين ، تحولت رياضة المشي الجبلي إلى نشاط شعبي يمارسه الجميع ، من الأطفال إلى كبار السن . اليوم، تعتبر رياضة المشي الجبلي من الأنشطة التي تجمع بين المتعة والفائدة الصحية . تنتشر مسارات المشي الجبلي في مختلف أنحاء العالم ، وتقام مسابقات ومهرجانات خاصة بها ، ما يعكس الاهتمام المتزايد بهذه الرياضة .
رياضة المشي الجبلي لم تقتصر على الجوانب البدنية فقط ، بل لها تأثيرات ثقافية واجتماعية عميقة . تجمع هذه الرياضة بين مختلف الأعمار والثقافات ، وتخلق روابط اجتماعية قوية بين ممارسيها . كما أن لها دورا في التوعية البيئية ، حيث يتعلم الممارسون احترام الطبيعة والحفاظ عليها .
رياضة المشي الجبلي تحمل تاريخا طويلا وثقافة غنية . بدأت كوسيلة للتنقل والبقاءو، وتطورت لتصبح نشاطا يجمع بين الاستكشاف ، والرياضة ، والتأمل . اليوم ، يواصل عشاق المشي الجبلي استكشاف الجبال والتحديات التي تقدمها ، مستمتعين بجمال الطبيعة ومغامرة كل خطوة .