tody24 tody24
recent

Latest News

recent
random
جاري التحميل ...

المغرب في قلب الصراع التجاري بين الولايات المتحدة الامريكية والصين: فرص وتحديات هل يصبح نقطة الارتكاز؟





الخميس 26 دجنير 2024_ مقال حر 

الكاتب : رضوان الغزاوي  باحث في السياسة الدولية والدبلوماسية والرقمنة 

يتمتع المغرب بموقع جغرافي استراتيجي متميز، يجعله نقطة ربط محورية بين القارات والوجهات العالمية. فهو يشكل حلقة وصل بين قارة أوروبا عبر مضيق جبل طارق، وقارة إفريقيا كمدخل رئيسي لشمال القارة وساحلها الغربي، كما يطل على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. هذا الموقع الفريد يعزز دوره كبوابة للتجارة والاستثمار بين أوروبا وأمريكا الجنوبية من جهة، وبين الشرق والغرب الإفريقي من جهة أخرى، مما يمنحه قدرة استثنائية على أن يكون مركزاً اقتصادياً وثقافياً وجسراً للتواصل بين الشعوب والاقتصادات المختلفة.

مع تصاعد التنافس التجاري بين القوى العظمى، أصبحت دول العالم النامي محط أنظار الصين والولايات المتحدة الأمريكية، اللتين تتسابقان لتعزيز نفوذهما الاقتصادي والجيوسياسي. في هذا السياق، يبرز المغرب كأحد أهم المحاور الاستراتيجية بفضل موقعه الجغرافي الفريد الذي يجعله بوابة بين إفريقيا وأوروبا، بالإضافة إلى سياساته الاقتصادية المنفتحة التي تجذب الاستثمارات العالمية.

لكن هذا التنافس يحمل في طياته فرصًا وتحديات، حيث يمكن أن يتحول المغرب إلى ساحة لتصارع المصالح التجارية بين بكين و واشنطن. فالصين تسعى لتعزيز حضورها في القارة الإفريقية من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، بينما تركز الولايات المتحدة على الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية التقليدية وتعزيز نفوذها الاقتصادي.

فهل يستطيع المغرب الاستفادة من هذا التنافس لتعزيز موقعه كمنصة تجارية عالمية؟ أم أن هذا الصراع سيؤدي إلى تحديات جديدة قد تعيق طموحاته التنموية؟

''أحيانا تبدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة وكأنها صورة مِرْآوية (نسخة طبق الأصل) للسياسة الخارجية الصينية. فالولايات المتحدة الأمريكية  مهووسة باحتواء النفوذ الصيني والصينيون مهووسون باحتواء النفوذ الأمريكي. لكن التطابق بينهما ينتهي عندما يتعلق الأمر بالكيفية التي يتم بها تنفـيذ هذه السياسات. فواشنطن وبكين تأتيان بقوى مختلفة لمعركتهما من أجل القوة والنفوذ. نتيجة لذلك تتَّبعان استراتيجيات مختلفة''.

فالصراع التجاري بين الصين والولايات المتحدة يعد أحد أبرز مظاهر التنافس بين القوتين العظميين في القرن الحادي والعشرين. بدأ هذا الصراع يتبلور بوضوح مع تزايد القوة الاقتصادية للصين وتحولها إلى منافس عالمي للولايات المتحدة في العديد من المجالات، بما في ذلك التكنولوجيا، التصنيع، والاستثمار العالمي. هذا الصراع لا يقتصر على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى أبعاد استراتيجية وجيوسياسية تؤثر في تشكيل النظام الدولي.

لقد بدأ  تطور الاقتصاد الصيني السريع منذ أواخر القرن العشرين، حيث تمكنت من تحقيق معدلات نمو كبيرة، مما جعلها ثاني أكبر اقتصاد عالمي. هذا التقدم رافقه تركيز على تطوير الصناعات التكنولوجية والبنى التحتية الاستراتيجية، مثل مبادرة "الحزام والطريق"، التي تسعى لربط الصين بالعالم عبر شبكة واسعة من الطرق البرية والبحرية.

في المقابل، ترى الولايات المتحدة في هذا الصعود تهديدًا لهيمنتها الاقتصادية والسياسية، خصوصًا في ظل ما تصفه بسياسات تجارية غير عادلة من جانب الصين، مثل الدعم الحكومي الكبير للشركات الصينية، وسرقة الملكية الفكرية. أدى ذلك إلى فرض رسوم جمركية متبادلة بين الطرفين، مما عمّق الأزمة التجارية وفتح الباب أمام منافسة سياسية وعسكرية.

لا يقتصر التنافس بين الصين وأمريكا على الجوانب التجارية، بل يشمل أيضًا السيطرة على الممرات البحرية، السباق التكنولوجي مثل الذكاء الاصطناعي، شبكات الجيل الخامس (5G)، والطاقة المتجددة تُعد من أهم ساحات الصراع.، والنفوذ في المناطق الاستراتيجية، مثل إفريقيا وآسيا.

في ظل هذا الصراع، يجد المغرب نفسه في موقع استراتيجي هام باعتباره بوابة إفريقيا نحو أوروبا ومنطقة عبور للتجارة الدولية. الصراع بين القوتين قد يحمل فرصًا لتعزيز الاستثمارات الصينية والأمريكية في المملكة، لكنه يفرض تحديات في الحفاظ على التوازن بين المصالح المتنافسة وضمان استقلالية السياسات الوطنية.

إن الصراع بين الصين وأمريكا يمثل إعادة تشكيل للنظام الدولي، حيث تسعى كلتا القوتين لتعزيز نفوذهما على حساب الأخرى، مما يخلق فرصًا وتحديات للدول التي تقف في المنتصف.

 لكن دعونا نشير الى قضية مهمة تطرق لها المحللون عبر العالم وهي وقوف طائرة الرئيس الصيني بالمغرب اثرى عودته من البرازيل واستقباله من طرف ولي العهد الحسن الثالث هذا التوقف لم يكن من أجل شرب الشاي أو التجول في ساحة جامع الفناء او القاء نظرة على صومعة حسان  ، هذا التوقف يؤكد على رغبة بكين في تعزيز التعاون الاقتصادي مع المملكة، وهو ما يتجلى في مشاريع كبرى مثل ميناء طنجة المتوسط والاستثمارات في البنية التحتية. هذه الديناميكية تشكل جزءًا من استراتيجية الصين الأوسع للتمدد الاقتصادي عبر إفريقيا، لكن هل المغرب رفض هذا طبعا لا،  والدليل على رغبة المغرب في الاستفادة من الخبرة الصينية خاصة في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية التي تعد الصين رائدا فيها  هو اختيار ولي العهد ليستقبل الرئيس الصيني وليس رئيس الحكومة وهذا يقدم مدى أهمية الصين بالنسبة للمغرب، لكن مع هذا الترحاب الدبلوماسي الشبه الرسمي  ،  قد تواجه الرباط تحديًا جديدًا يتمثل في إدارة علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة بطريقة متوازنة. فمن جهة، توفر الاستثمارات الصينية فرصًا كبيرة للتنمية، ومن جهة أخرى، يُعتبر الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن أمرًا بالغ الأهمية.

وه\ا طبعا سوف يقودنا بالعودة الى مرحلة  تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في عام 2017، جلبت إدارته تغييرات جذرية في السياسة الخارجية، خاصة تجاه الصين. وركزت سياسات ترامب على إعادة تشكيل العلاقات التجارية،  حيث  اعتبرت ادارته أن  الصين تمثل التهديد الأكبر للنظام التجاري العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. و بالنظر إلى أن الصين تنظر إلى المغرب كبوابة لأسواق أوروبا وإفريقيا خاصتا من اجل تصدير سيارتها الكهربائية إلى أوروبا  التي أصبح المغرب جزء من هذه الصناعة ، فإن أي زيادة في النفوذ الصيني عبر استثمارات البنية التحتية أو التكنولوجيا قد تُعتبر تهديدًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية في المنطقة لكن هناك سؤال جوهري في هذا التوجه التي تفرضها بكين وترفضه  واشنطن.

هل يقدم ترامب مساعدات تنموية للمغرب قصد إبعاد الصين ؟ نحن نعلم جيدا أن إدارة ترامب لم تكن معروفة بتقديم مساعدات تنموية سخية للدول النامية مقارنة بالإدارات الأمريكية السابقة، حيث كانت سياساته الخارجية تميل إلى التركيز على "أمريكا أولاً" وتفضيل الصفقات الاقتصادية التي تعود بالفائدة المباشرة على الولايات المتحدة. مع ذلك، من الممكن تحليل سياسات ترامب تجاه المغرب من زاوية استراتيجياته لمواجهة النفوذ الصيني عالميًا، بما في ذلك احتمال استخدام المساعدات أو الاستثمارات كوسيلة لإبعاد المغرب عن التعاون مع الصين. في ولايته الاولى قلص ترامب المساعدات الخارجية ووجهها نحو مشاريع تخدم المصالح الأمريكية المباشرة، مثل تعزيز التعاون الأمني أو دعم دول تعترف بإسرائيل (كما حدث في حالة السودان والمغرب بعد توقيع اتفاقيات التطبيع في إطار "اتفاقيات إبراهيم"). بالنسبة للمغرب، ركزت المساعدات الأمريكية على دعم مشاريع متعلقة بالتنمية الاقتصادية، التعليم، وتمكين الشباب، ولكن في إطار برامج طويلة الأجل، مثل برامج مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، والتي كانت قد بدأت قبل إدارة ترامب. لقد تعامل ترامب خلال ولايته السابقة بطريقة مختلفة عن باقي الإدارات حيث لم يقدم مساعدات تنموية مباشرة بهدف إبعاد الصين، بل اعتمد على أدوات اقتصادية أخرى، مثل تعزيز الاستثمارات الأمريكية أو تقديم حوافز تجارية. يمكن تفسير دعم المغرب خلال إدارة ترامب، مثل الاعتراف بسيادته على الصحراء المغربية، كخطوة لتعزيز العلاقة الثنائية ولمنع المغرب من تعميق علاقاته مع الصين أو روسيا ، وهذا ما تاخرت في كل من الصين وروسيا مما دفع الرباط الى التعامل بحذر مع الصين وخاصتا ان المغرب يعتبر القضية الوطنية المنظار الذي يقيس به علاقته مع باقي دول العالم . لقد كانت ادارة ترامب ترى أن الاستثمارات والشراكات التجارية أكثر فعالية من المساعدات التنموية التقليدية مع المغرب ، وقد قامت واشنطن على تشجيع الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والبنية التحتية ، لكن هذا الأمر تفعله الصين منذ وجودها بالمغرب . لهذا اعتقد انه في حالة إذا شعرت إدارة ترامب والذي سوف يدخل البيت الأبيض في بداية يناير من عام 2025 أن الصين توسع نفوذها في المغرب بشكل يهدد المصالح الأمريكية، فمن المحتمل أن تلجأ إلى دعم مشاريع تنموية، ولكن هذا الدعم سيكون مشروطًا بالحد من التعاون المغربي-الصيني في مجالات استراتيجية مثل التكنولوجيا أو البنية التحتية . هذا التنافس بين الصين والولايات المتحدة في المنطقة يضع المغرب أمام معضلة مشابهة لتلك التي تواجه الدول ذات السيادة على المستوى الدولي، حيث تطمح كل دولة إلى الحفاظ على استقلالية قرارها وسلطتها العليا، بينما تتعامل مع قوى كبرى تسعى لتكريس هيمنتها. وهذا التناقض بين مطالبات المساواة وحقائق التفاوت في القوة يشكل تحديًا كبيرًا في صياغة السياسات الخارجية للمملكة المغربية . الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين لا يُعد مجرد تنافس اقتصادي، بل يعكس إعادة تشكيل للنظام الدولي. في خضم هذا التنافس، يمتلك المغرب موقعًا استراتيجيًا فريدًا يُمكّنه من الاستفادة من الفرص المتاحة، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات كبرى في الحفاظ على استقلالية سياساته وتجنب الانحياز لأي من القوى الكبرى. إن التطور المذهل الذي تشهده الصين على عدة مستويات يكون ارضية ستسمح في المدى المتوسط بخلخلة النظام الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة وهو التوجه الذي أصبحت تعيه هذه الأخيرة جديا .


عن الكاتب

tody24

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

tody24